ثقافة ومجتمع

المقال الأخـ.ـطر .. نصف قرن من حكم نظام الأسد .. ” ثمن عدم انتصار الثورة باهظاً”

المقال الأخـ.ـطر .. نصف قرن من حكم نظام الأسد .. ” ثمن عدم انتصار الثورة باهظاً”

ديلي سيريا – وكالات

يستعرض ستيفن هايدمان الخبير المختص في الشرق الأوسط في مقالة نشرها “المجلس الأطلسي” وترجمتها ووضعت عناوينها أورينت نت.

نصف قرن من حكم آل الأسد لسوريا منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة مروراً

بتسليم السلطة لابنه بشار الذي تابع سياسة أبيه في قيادة البلاد إلى الهاوية.

قبل خمسين عاماً في 16 نوفمبر 1970، استولى حافظ الأسد على السلطة من الفصائل المنافسة في حزب البعث الحاكم.

الحركة التصحيحية

يمثل انقـ.ـلاب الأسد الذي أطلـ.ـق على نظامه الجديد اسم “الحركة التصحيحية” هـ.ـزيمة الفصيل اليساري وصعود معتدلي الحزب. 

ومع ذلك فإن قلة قد تخيلتْ في ذلك الوقت أن الاستـ.ـيلاء على السلطة من قبل ضابط ساخط 

عبر انقلاب ضمن سلسلة طويلة من الانقلابات المماثلة في بلد غير مستقر –  سيكون بمثابة بداية لأطول فترة حكم عائلي مستمر في تاريخ سوريا الحديث.

عندما خلف بشار الأسد والده حافظ في حزيران 2000، دخلت سوريا ناديا خاصا. 

إذ إنه تم تسليم الرئاسة مباشرة من الأب إلى الابن في أقل من ست جمهوريات.

لا يوجد سوى ثلاث دول في العالم تولى فيها الأب والابن الرئاسة دون انقطاع لمدة نصف قرن أو أكثر: توغو والجابون وسوريا. 

في جميع الحالات الثلاث، تسيّد الأبناء الذين ورثوا رئاساتهم في انتخابات مشبوهة للغاية، وحتى كتابة هذه السطور، ظلوا في السلطة.

خطأ مقولة كيسنجر 

إن الاستمرارية الاستثنائية لنظام الأسد جديرة بالملاحظة. كما أنها تثير سؤالا أصبح أكثر أهمية بسبب اضـ.ـطرابات العقد الماضي:

ما الذي حققته خمسون عاماً من الحكم الأسدي بالتحديد؟ 

عندما وصل بشار الأسد إلى السلطة في سن الرابعة والثلاثين

حيث مهد له الطريق من برلمان مطيع عدّل الدستور على عجل لخفض الحد الأدنى لسن الرئاسة  ورث بلداً راكداً. 

بعد وفاة حافظ الأسد في يونيو 2000، حيث أشرف على انجراف بلاده إلى الهـ.ـاوية.

فشـ.ـل حافظ الأسد في تحقيق طموحه مدى الحياة بتأكيد مركزية سوريا في الشؤون الإقليمية. 

ثبت خطأ القول المأثور لهنري كيسنجر “لا يمكنك شن حرب في الشرق الأوسط بدون مصر ولا يمكنك صنع السلام بدون سوريا”

مع التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1979.

في نفس العام، أضيفت سوريا إلى القائمة الأمريكية التي تم إنشاؤها حديثاً للدول الراعية للإرهـ.ـاب

(وهي الوحيدة التي بقيت على القائمة حتى يومنا هذا).

لم يعد قادراً على لعب دور حاسم كمفسد، ومع تضاؤل القضية الفلسطينية

لم تحقق غـ.ـزوات حافظ الأسد الدورية في الدبلوماسية العربية الإسرائيلية أي تقدم ملحوظ.

إرث أكثر هشاشة

بعد عقد من الضياع، انهار الاتحاد السوفييتي وبدأ تحول مركز الثقل الدبلوماسي في المنطقة شرقاً إلى الخليج العربي

مما أدى بسوريا إلى مزيد من التهميش سياسياً وإقليمياً. 

في نهاية ولايته الثانية وقبل أشهر فقط من وفاة حافظ، كان بيل كلينتون آخر رئيس أمريكي

يستثمر رأس المال الدبلوماسي في محاولة لم تنجح للتوسط في سلام سوري – إسرائيلي. 

استنفد حافظ الأسد “الصبر الاستراتيجي” الذي يتبجح به أمام خصومه

لكنه لم يفعل شيئاً لدفع مصالح سوريا أو تأمين عودة مرتفعات الجولان، ومنذ ذلك الحين، بات هذا الطموح الوطني بعيد المنال.

كان إرث بشار المحلي على أرضية أكثر هشاشة، بينما نجت البلاد من أزمة اقتصادية خانقة في منتصف الثمانينيات، دخلت القرن الحادي والعشرين باقتصاد محتضر

وبيروقراطية غير فعالة، وقطاع عام ضعيف ومكتظ بالموظفين بشكل كبير

وقطاعات تعليمية ورعاية صحية متدهورة، ومن بين أعلى مستويات معدلات البطالة في العالم. 

ومع ذلك، فقد ازدادت سطوة أجهزة الأمن في ظل حكم حافظ، وخصوصاً بعد الاحتـ.ـلال السوري للبنان

مع ضمان بقاء النظام من خلال قمعه الوحشي لتمـ.ـرد جماعة الإخوان المسلمين 1979-1982، وبلغ ذروته في مذبـ.ـحة حماة المشينة في شباط/ فبراير 1982.

“الاقتصاد موضوع للحمير!”

بكل المقاييس، كان حافظ الأسد غير مكترث إلى حد كبير بالمسائل الاقتصادية، وزُعم أنه وصف الاقتصاد ذات مرة بأنه موضوع للحمير. 

لم يكن بشار قادراً على محاكاة عدم اهتمام أبيه، مثل العديد من الديكتاتوريين، اعتبر حافظ الميزانية العامة السورية أداة لبقاء النظام. 

خصص الموارد والفرص بما في ذلك الفرصة للاستفادة من الفساد المستشري 

لتنمية شبكات الموالين التي فضلت المطيعين للنظام، لكنها امتدت فيما بعد إلى ما هو أبعد من ذلك

لتشمل قطاعات مهمة من نخبة رجال الأعمال السنية الدمشقيين.

كانت “الحركة التصحيحية” التي أطلـ.ـقها حافظ قائمة على التفكيك الجزئي للسياسات الاقتصادية الراديكالية التي فضلها سلفه صلاح جديد. 

ومع ذلك، حافظَ الأسد الأب إلى حد كبير على “الصفقة الاستبدادية” في سوريا

حيث قدم للسوريين أمناً اقتصادياً هشاً مقابل الهدوء السياسي – وهو شكل من أشكال التبعية القسرية التي حافظت على سلام اجتماعي هش. 

أثبتت الإصلاحات الاقتصادية المتواضعة التي بدأت خلال العقد الأخير من حكمه أنها غير كافية لإخراج سوريا من سباتها الاقتصادي. 

وبدلاً من ذلك، فتحت الإصلاحات المزعومة فقط آفاقاً جديدة للإثراء الفاسد من داخل النظام ورجال الأعمال المرتبطين به.

باب الجهـ.ـاديين المفتوح

عندما تولى بشار الرئاسة في تموز/ يوليو عام 2000 انتقلت البلاد إلى ما وصفه المسؤولون بأنه “اقتصاد السوق الاجتماعي”.

ومع ذلك، كان النظام يقود سوريا نحو نقطة الانهيار. مع بدء “ربيع دمشق” بدأ بشار سياسة القضاء على خصومه الداخليين

وانتهج سياسة الباب المفتوح للجهـ.ـاديين الذين ينتقلون إلى العراق

وكان له دور في اغتـ.ـيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي تلاه إخلاء سوريا المهين من لبنان. 

خلال العقد الأول من حكم بشار الأسد، تعمق الفقر وازدادت البطالة، خاصة بين الشباب. في عام 2006

اجتاح الجفاف الشديد المناطق الزراعية في سوريا، وتضخمت آثاره بسبب سوء الإدارة والفـ.ـساد. 

على مدى السنوات القليلة التالية، أجـ.ـبر مئات الآلاف من صغار المزارعين على ترك أراضيهم وأصبحوا لاجئين بيئيين

استقروا في ضواحي دمشق وعواصم المحافظات، مثل درعا في جنوب سوريا. 

أصبح المقربون من النظام، بقيادة أفراد عائلة الأسد، مثل رامي مخلوف أكثر جشـ.ـعا فاستغلوا وعزلوا مجتمع الأعمال الذي سبق أن قدم دعمه للنظام. 

وبحسب ما ورد انتهى الأمر بمخلوف إلى السيطرة على حوالي 65 بالمئة من الاقتصاد السوري.

من جانبه، كان بشار يعتقد أن ولاءه لمؤيدي العروبة و “المقاومة”، رغم كونه خطابياً أكثر من كونه حقيقياً

كان كافياً لعزل نظامه عن موجة الاحتجـ.ـاجات التي اجتاحت المنطقة في أواخر عام 2010. 

كان خطـ.ـأ بحلول آذار/ مارس 2011، مع تأجيج الاحتجـ.ـاجات في مصر وتونس وليبيا

تغلب السوريون أيضاً على “جدار الخوف”، ووجدوا صوتهم الجماعي

وانضموا إلى الاحتجـ.ـاجات الجماهيرية المطالبة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية وإنهاء نظام الأسد. 

في مواجـ.ـهة تحد غير مسبوق سحـ.ـب ملايين السوريين العاديين الشرعية عن النظام الذي رد بالقـ.ـمع، ووضع البلاد في أتون الحـ.ـرب.

تم إنقاذه ولكن لم يتم تأمينه

اليوم، بعد عقد من الصـ.ـراع، يجلس بشار على حطام بلد، وقد تم إنقاذه ولكن لم يتم تأمينه بالكامل بعد، من خلال تدخل روسيا وإيران. 

لقد تركت مقتضيات بقاء آل الأسد أثرها الكئيب على البلد:

اقتصاد محطم، ومجتمع ممزق، وتنشئة اجتماعية جماعية إلى قواعد عنـ.ـف، وتعصـ.ـب طائفي، وتطرف. 

أطلـ.ـقت الحـ.ـرب العنان لأكثر شهوات النظام شراسة، مما زاد من ترسيخ وحشيته وفسـ.ـاده. 

يؤكد المستفيدون من زمن الحـ.ـرب وأمراء الحـ.ـرب الآن بجرأة امتيازاتهم بصفتهم النخبة السياسية الجديدة في سوريا، ويحصدون ثمار دعمهم لآل الأسد على مدى العقد الماضي.

ثمن عدم انتصار الثورة

بينما يفكر السوريون في انتقال محفوف بالمخاطر إلى مرحلة ما بعد الصـ.ـراع والفرض المحتـ.ـمل لسلام استبدادي

فإن أفضل تعبير عن الإرث الدائم للحكم الأسدي هو ما أصبح واقعاً مزدوجاً ومنفصلاً تماماً. 

تظهر صور بشار وأبناء مخلوف بسياراتهم الفاخرة وطائراتهم الخاصة، وأسماء الأسد وهي تزور الأرامل مرتدية بنطال الجينز

إلى جانب صور مختلفة تماماً لصفوف طويلة ومتوازية من الأكفان البيضاء وطوابير الخبز وأطفال

ينقبون في مقالب القمامة والقوارب المكتظة التي تنقل السوريين إلى مستقبل غامض كلاجئين.

أما الثورة السورية فهي تمثل استفتاءً يدين إرث عائلة الأسد أكثر من أي حكم قد يصدر عن الغرباء، كان ثمن عدم انتصار الثورة باهظاً.

لا يبدو النظام متهيئاً لمواجـ.ـهة التحـ.ـديات التي قد تهز قبضته على السلطة ومع ذلك، فإن عائلة الأسد وأنصارهم لا يعترفون بمثل هذه الاحتمالات.

في عام 2028، سيصطدم بشار، إذا كان لا يزال في السلطة، بحدود فترة الرئاسة التي تم تحديدها في عام 2012.

وربما، تحسباً لتلك اللحظة، تقوم الأسرة بتهيئة ابنه الأكبر حافظ بشار الأسد

لتولي منصب الرئاسة ضمن سلالة عائلة الأسد إن لم ينتهوا من سوريا بعد، إنها بحق ويلات أمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى