ثقافة ومجتمع

انطلق من تونس وحاصر روما 15 عاماً .. قصة “حنبعل” الشاب الطموح وريث الفينيقيين والذي تجرع السُّم ولم يستسلم

انطلق من تونس وحاصر روما 15 عاماً .. قصة “حنبعل” الشاب الطموح وريث الفينيقيين والذي تجرع السُّم ولم يستسلم

ديلي سيريا – تاريخ

وصف هذا الرجل باعتباره “أسـ.ـوأ كوابيس روما” الذي كسر هيبتها، كما صوره الرومان على أنه وحشٌ يهوى السـ.ـفك والدماء.

حتى إنهم كانوا إذا خافوا أمراً ما أو وقوع كارثةٍ كانوا يقولون: “حنبعل على أبوابنا”، كما تم استخدام اسمه لتخويف الأطفال.

اعتبره المؤرخون أحد أعظم القادة العسكريين في العصور القديمة

فهو يقف جنباً إلى جنب مع الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر، رغم اختـ.ـلاف نهاياتهم وإنجازاتهم.

والبعض اعتبر أن خطة السلطان محمد الفاتح بعبور منطقةٍ جبلية بسفنه من أجل فتح القسطنطينية

مستوحاةٌ من خطة حنبعل في عبور جبال الألب بجيشه الذي يحمل 40 فيلاً

لحصار الإمبراطورية الرومانية في عقر دارها: روما، وقد اعتبر البعض هذه الحـ.ـرب أشهر حملة عسكرية في التاريخ.

الفينيقيون.. ملوك البحر المتوسط

قرطاجنة، أو قرطاج في تونس الحالية، كانت قبل الميلاد مستعمرةً فينيقية

حيث جاء الفينيقيون من السواحل الشرقية للبحر المتوسط (لبنان بالأساس، وأجزاء من سواحل فلسطين وسوريا).

ولأنها حضارةٌ بحرية وتجارية بالأساس، فقد أصبح حوض البحر المتوسط بالنسبة لهم كـ”اللعبة”

فانتشرت المستعمرات الفينقية على طول البحر المتوسط يميناً ناحية سواحل أوروبا ويساراً ناحية سواحل إفريقيا.

وفي القرن التاسع قبل الميلاد، نشأ خلافٌ بين أميرة مدينة صور وأخيها ملك الفينيقيين.

وهـ.ـربت الأميرة أليسار أو “أليسا” من أخيها وجاءت بجيشها وقومها، ليؤسسوا مستعمرة قرطاج.

لاحقاً ومع الوقت سيطـ.ـرت تلك المستعمرة الكبيرة على أجزاءٍ مهمة من إسبانيا وإيطاليا، وبعض جزر البحر المتوسط.

وأصبح الصـ.ـراع غرب البحر المتوسط بين الإمبراطورية القرطاجية الفينيقية والإمبراطورية الرومانية

التي راحت تخـ.ـسر رويداً رويداً نفوذها وقوتها في البحر المتوسط أمام مهارة البحارة والجيوش الفينيقية.

الحـ.ـروب البونية الثلاث.. صـ.ـراع الشرق والغرب

كان الصـ.ـراع الدائم الذي استمر قروناً بين الفينيقيين في إمبراطورية قرطاج والرومان بإيطاليا يزداد ويتضاعف مع الوقت.

فمع السيطرة العسكرية تأتي السيطرة السياسية فتأتي المصالح التجارية والاقتصادية، ولهذا نشأت ثلاث حـ.ـروبٍ كبيرة في ذلك الوقت بين الشرق وإفريقيا والغرب وأوروبا.

سمِيت هذه بالحـ.ـروب البونية أو الحـ.ـروب الفينيقية، وقد انتهت بانتصارٍ غير متوقع لروما.

قاد الحـ.ـرب البونية الأولى حملقار برقا، وهو والد حنبعل الذي يقال إنه جعله يغمس يديه في الدماء والقَسم بالكـ.ـراهية ضد روما عندما كان عمره 9 أعوام فقط.

وانتهت الحـ.ـرب البونية الأولى من دون انتصارٍ حاسم بين روما وقرطاجنة.

وكانت الحـ.ـرب البونية الثانية هي التي قادها الشاب حنبعل، الذي يقال إن اسمه ينطق (هاني بعل)

في حين كانت الثالثة والنهائية في وقتٍ لاحق بعد وفاة حنبعل.

حنبعل.. الشاب الطموح وريث الفينيقيين والذي قرر غـ.ـزو روما

وُلِدَ حنبعل عام 247 ق.م في شمال إفريقيا، ويبدو أن حملقار برقا والده قد أحضره في وقتٍ مبكر إلى إسبانيا

وكان حملقار قد استولى على إسبانيا في وقتٍ قريب، توفي حملقار عام 229 ق.م وخلفه زوج ابنته القائد صدربعل

الذي ولَّى حنبعل الشاب على الجيش القرطاجي وعام 221 ق.م، اغتـ.ـيل صدربعل، وأجمع الجيش القرطاجي على اختيار حنبعل

البالغ من العمر حينها 26 عاماً، قائداً للإمبراطورية القرطاجية في إسبانيا.

فعزَّز حنبعل السيطرة في المنطقة سريعاً من القاعدة البحرية في قرطاجنة (قرطاج الجديدة)، كما تزوج أميرة إسبانية.

وبعدها بسنتين تقريباً، قاد حنبعل عام 219 ق.م هجـ.ـوماً على ساقونتوم وهي مدينةٌ مستقلة متحالفة مع روما، وكان الهجـ.ـوم شرارة الحرب البونيقية الثانية.

حاصـ.ـرت القوات القرطاجية مدينة ساقونتوم الإسبانية طيلة ثمانية أشهر، قبل وقوع المدينة في أيديهم

ورغم مطالبة روما حنبعل بالاستسلام، فإنه رفـ.ـض، وشَرَعَ بدلاً من ذلك في التخطيط لغزو إيطاليا. 

يعتبر هذا الغزو منطقياً بالنسبة لشابٍ عاش حياته وهو يعتبر روما عدوه الوحيد في الحياة

كما أن الرومان أنفسهم كانوا يعتبرون القرطاجيين في تلك الفترة عدوهم الأوحد الذي يجب أن يفنوه من الوجود.

ترك حنبعل أخاه لحماية مصالح قرطاجة في إسبانيا وشمال إفريقيا، والذي كان اسمه صدربعل أيضاً.

وحشد حنبعل جيشاً هائلاً ضم 90 ألف جندي من المشاة و12 ألف فارس و40 فيلاً -قد تكون الأرقام مبالَغ فيها- وفق ما ذكره موقع History البريطاني.

امتد هذا الزحف مسافة ألف ميل (1600 كيلومتر) عبر جبال البرانس، ونهر الرون، وجبال الألب المغطاة بالثلج، وأخيراً وصل إلى وسط إيطاليا.

ورغم استـ.ـنزاف قواته من جراء العبور العسير لجبال الألب، فقد التقى الجيشَ الروماني القوي

الذي يقوده الجنرال بابليوس كورنيليوس سكيبيو وكانت الغلبة له، وأُصـ.ـيبَ سكيبيو نفسه بجراحٍ خطيرة في المعـ.ـركة.

لاحقاً وبعد شهورٍ قليلة، هزم القرطاجيون الرومان مرةً أخرى على الضفة اليسرى لنهر تريبيا

وقد نال حنبعل بهذا الانتصار دعم حلفاء آخرين من بلاد الغال والليغوريون.

تقدم حنبعل

بحلول ربيع عام 217 ق.م، تقدَّم حنبعل إلى نهر أرنو، ليقود قواته المُنـ.ـهكة من رحلتها الطويلة ومن معـ.ـركتها السابقة، ضد روما من جديد.

وفي صيف العام التالي، واجه 16 فيلقاً رومانياً -قرابة 80 ألف جندي- وهو ما قيل إنه ضعف حجم جيش حنبعل.

ركز الجنرال الروماني فارو حشد قوات المشاة في المنتصف مع نشر فرسانه على جناحي الجيش، وهي خطة عسكرية كلاسيكية.

بينما أبقى حنبعل على وسط جيشه ضعيفاً نسبياً، مع قوات مشاة وفرسان قوية على الجناحين.

ومع تقدُّم الرومان، تمكن القرطاجيون من الصمود في الوَسَط والتفوُّق في الصـ.ـراع على الجناحين

فطوقوا الرومان وقطعوا عليهم أي سبيل للتراجع بإرسال الفرسان لشن الهجـ.ـوم من الخلف.

توجَّه حنبعل بعد ذلك بجيشه الهائل ليعبر جبال البرانس والألب وصولاً إلى وسط إيطاليا، فيما عُرِفَ بأشهر الحملات في التاريخ.

نصر كبير

وبعد سلسلةٍ من الانتصارات الكبيرة له والهـ.ـزائم المدوية لروما، كان لحنبعل مركز وطيدافي جنوب إيطاليا.

أخذه زهو النصر وحلمه بالقضـ.ـاء على الرومان إلى السيـ.ـطرة على عاصمتهم، وهو الحلم الذي لم يستطع تحقيقه والده حملقار.

فشـ.ـن هجـ.ـوماً أخيراً على روما نفسها، إلا أن الرومان استطاعوا صد القرطاجيين وإخراجهم ليس من حصار روما فقط

وإنما من إسبانيا أيضاً، ثم انطلقوا عبر رحلةٍ لتحرير أراضيهم في إيطاليا إلى غزو شمال إفريقيا، قاعدة القرطاجيين ومركزهم الرئيس.

هزيمة حنبعل

وخلال عام 203 ق.م وبعد الصـ.ـراع الذي دام 15 عاماً مع إيطاليا وحصار روما، ترك حنبعل إيطاليا للدفاع عن شمال إفريقيا.

فقد اتحدَّت روما مع دولة نوميديا الإفريقية على حدود قرطاج الجنوبية، ومع مقـ.ـتـ.ـل أخيه وعودته للدفاع عن عاصمته

هزم حنبعل هـ.ـزيمةً مريرة على يد بابليوس كورنيليوس سكيبيو بمدينة زاما في تونس الحالية

 وقد وصل عدد قتـ.ـلى القرطاجيين إلى 20 ألف جندي مقابل 1500 جندي روماني فقط.

كانت هذه الهـ.ـزيمة نهاية وضع قرطاج باعتبارها قوةً إمبراطورية، ونهاية الحـ.ـرب البونية الثانية التي قادها الشاب الطموح حنبعل.

واستمر حنبعل في السعي لتحقيق حلم حياته بتدمير روما حتى توفي بعد عشرين عاماً سنة 183 ق.م. 

حياة حنبعل الحزينة ما بعد الهـ.ـزيمة ووفاته

في معاهدة السلام التي أنهت الحـ.ـرب البونية الثانية، سمِحَ لقرطاج بالاحتفاظ بأراضيها في شمال إفريقيا فقط

فخسـ.ـرت بذلك إمبراطوريتها عبر البحر المتوسط للأبد.

كما أجبرت على تسليم أسطولها ودفع تعويضٍ كبير بالفضة، وعلى الموافقة بعدم إعادة التسليح أو إعلان الحـ.ـرب مرة أخرى دون إذن روما.

احتفظ حنبعل بلقبه العسكري، لكنه فر هـ.ـارباً بحياته من الهـ.ـزيمة الساحقة التي تلقاها

وهو ما زال يسعى وراء حلمه ورغبته في هـ.ـزيمة روما، على الرغم من اتهـ.ـام مواطنيه له بالفشـ.ـل في إدارة الحـ.ـرب.

هروب حنبعل

فرَّ حنبعل إلى البلاط السوري في أفسس، بعدما أبلغ عنه معارضوه من النبلاء القرطاجيين للرومان لتحريضه أنطيوخوس الثالث حاكم سوريا على التأهب لقـ.ـتال روما.

وعندما هـ.ـزمت روما أنطيوخوس، كان من شروط معاهدة السلام تسليم حنبعل.

وقد هـ.ـرب حنبعل مرة أخرى من هذا المصير، ويقال إنه تأهََب للقـ.ـتال مع قوات الثوار في أرمينيا.

وكان قد خدم لاحقاً تحت حكم بروسياس، ملك بيثينيا، في حـ.ـربٍ أخرى فاشـ.ـلة ضد يومينس الثاني ملك بيرغامون وحليف الرومان.

وفي نقطةٍ ما من هذا الصـ.ـراع، طالب الرومان مرََة أخرى بتسليم عدوهم اللدود القديم، القائد الذي أذاقهم مرار الهـ.ـزيمة مراراً: حنبعل.

وعندما وجد أنه لا مفر له، وأنه وحيد تماماً من الأعوان والحلفاء قتـ.ـل نفسه بتجرع السُّم في قرية ليبيسا في بيثينيا، قرابة عام 183 ق.م.

أما بالنسبة لقرطاج، فقد ظلت شوكةً في حلق الإمبراطورية الرومانية

وعبر تحالفهم مع مملكة نوميديا، استطاعوا التحرُّش بقرطاج من جديد، لتخرق المعاهدة الأخيرة بينهما.

وما إن خـ.ـرقتها حتى كانت الجيوش الرومانية متأهبة للقـ.ـضاء على قرطاجة، عدوَّتهم اللدود

فقـ.ـضوا عليها وعلى نفوذ القرطاجيين في غرب المتوسط للأبد عام 146 ق.م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى