ثقافة ومجتمع

حاول العباسيون قـ.ـتـ.ـله ثم لقبه خليفتهم بـ”صقر قريش” .. عبدالرحمن الداخل الذي أخاف أبو جعفر المنصور ووصوله إلى الأندلس

حاول العباسيون قـ.ـتـ.ـله ثم لقبه خليفتهم بـ”صقر قريش” .. عبدالرحمن الداخل الذي أخاف أبو جعفر المنصور ووصوله إلى الأندلس

ديلي سيريا _ وكالات

تحدثنا في تقريرٍ عن أبو مسلم الخراساني، قائد الدولة العباسية وأحد أركان صعودها على حساب دولة الخلافة الأموية

ولما قابلت جيوش العباسيين الجيوش الأموية قرب دمشق وانتصرت عليها بدأ عهد الدولة العباسية بشكلٍ رسمي.

كان الخطوة التالية للدولة العباسية التي قامت عام 132 للهجرة بعد أن انتصروا على الأمويين، هو بداية قـ.ـتـ.ـل كل رجل أموي

خاصة أبناء الخلفاء والأمراء، أي الأشخاص الذين قد يفكرون بالمطالبة بدولة الأباء مع مرور الزمن، وبالفعل كان ذلك.

رغم أن العباسيين أسـ.ـرفوا في قـ.ـتـ.ـل الأمويين، لكن كثير منهم كتب لهم النـ.ـجاة، وأبرزهم موضوع قصّتنا لليوم

وهو الأمير الأموي الشهير بـ”صقر قريش” وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، ويعرف أيضاً باسم “عبد الرحمن الداخل”.

بداية رحلة صقر قريش عبد الرحمن الداخل 

في الفترة التي انتصرت فيها الدولة العباسية، وبدأت بالبحث عن رجال بني أمية، كان عبد الرحمن الداخل في العراق

وفي أحد تلك الأيام، دخل عليه ابنه يبـ.ـكي بقوة، فحاول تهـدئـته، ثم خرج من منزله لينظر  ما الأمر الذي أوصل ابنه لتلك الحالة

فرأى رايات “المسودة” أي الرايات السوداء التابعة لبني العباس، فعلم أنه هو المقصود.

فقد كان عبد الرحمن الداخل أميراً وأموياً ومن سلالة الخلفاء، لكنه رجلاً معروف بالذكاء رغم أن عمره لم يكن قد تجاوز 18 عاماً

ويحكى أن القائد المسلم العظيم “مسلمة بن عبد الملك” كان يثني بذكاء عبدالرحمن الداخل وكان من المرشحين لحمل راية خلافة بني أمية

وهو ما جعله مطلباً رئيسياً لبني العباس، دخل عبدالرحمن إلى بيته، وجمع ماله وأمتعته بشكلٍ سريع، وغادر المنزل برفقة أخيه الوليد

ولما وصل الخبر لرجال الدولة العباسية بدأوا بملاحقته، حتى وصلوا إلى النهر، ولم يكن أمام عبدالرحمن وأخوه سوى أن يعبروا النهر

ولما وصلوا منتصفه، بدأ رجال العباسيين بالنداء عليهم وإعطائهم الأمان إن رجعوا، فقرر الوليد أن يرجع، لكن عبد الرحمن طلب منه عدم العودة لعلمه بما سيكون منهم.

لم يسمع الوليد وقد كان صبياً يبلغ من العمر 13 عاماً لكلام عبد الرحمن، لإيمانه بأن العرب عندما تعطي الأمان تلتزم بعهدها

فعاد إلى رجال بني العباس، فلما وصل إليهم قـ.ـتـ.ـلوه بشكلٍ فوري وعبد الرحمن ينظر لأخيه من الضفة الأخرى للنهر.

بدأت رحلة عبد الرحمن بن معاوية في الهـ.ـروب من الدولة العباسية، وقرر أن يتجه إلى المغرب فهناك أخواله

إذ أن أمه كانت من البربر الأمازيغ المغاربة الكرماء، وذهب عبد الرحمن إلى مصر، ومنها إلى تونس، ثم وصل للمغرب

ولما وصل كان فيها ثـ.ـورة للخـ.ـوارج، وقد كانوا يكـ.ـرهـ.ـون بني أمية، فأرادوا أن يقـ.ـتـ.ـلوا عبد الرحمن بن معاوية

فلما علم بذلك هـ.ـرب منهم أيضاً وكانت وجهته ليبيا هذه المرة، وبقي فيها حوالي 5 سنوات.

صقر قريش يقرر الذهاب إلى الأندلس 

وفي أثناء جلوسه هناك، كان يفكر في خطوته التالية، قبل أن يقرر الذهاب إلى الأندلس، وقد كان ذلك الخيار لأن بلاد الشام والعراق أصبحت تحت حكم بني العباس

والمغرب بحكم الخـ.ـوارج، وكانت الأندلس تعـ.ـانـ.ـي من الثورات والمنافسة بين القبائل اليمنية والمضرية.

كان الأمر الذي سيقدم عليه الداخل أمراً في كبيراً، ويحتاج لفطنة وذكاء كبير لم يكن ينقصه، فأرسل بخادمٍ له اسمه “بدر”

ليستكشف أوضاع الأندلس وما إن كانت تصلح لقدومه، وأن يصل لرجال الأندلس المحبين لبني أمية ممن يشيدون بالكرم والسخاء الأموي.

ذهب الخادم بدر إلى الأندلس، وقد كانت تحت حكم “يوسف الفهري” وقد كان حاكماً صورياً فيما يحكم من خلفه الصميل بن حاتم

وقد كان ليوسف الفهري مشـ.ـاكل مع البربر (القبائل الأمازيغية)، حيث كان يعامل العرب بطريقة والبربر الأمازيغ بطريقة أقل منهم، وهو ما جعل البربر يوالونه.

وقد كانت الأندلس إحدى الأمصار التي تتبع الدولة الأموية، ولم يكن بني العباس قد وصلوا إليها، على الرغم من محاولاتهم ذلك

لكن رغم ذلك كان يوسف الفهري قد سمع بما صار للأمويين، فطـ.ـردهم من هناك وانفرد بالحكم لنفسه مع “الصميل بن حاتم”.

دخول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس 

بعد أن جهّز الخادم بدر الأوضاع لعبد الرحمن الداخل في الأندلس، ومهد له، ووصل لبعض الرجال الثقاة ممن يحبون بني أمية

أرسل لعبد الرحمن وأخبره أن يعبر للأندلس، وبالفعل عبر عبد الرحمن بن معاوية على سفينة ودخل الاندلس بمفرده، وكان ينتظره فيها بدر.

ذهب الداخل وخادمه بدر إلى قرطبة، والتقى فيها عدداً قليلاً ممن يؤيدون بني أمية، ولما كانت القبائل اليمنية على خـ.ـلاف مع يوسف الفهري والصميل بن حاتم

ذهبوا هم أيضاً لجانب عبد الرحمن الداخل والتفوا حوله، ليكون له قوة ليست بقليلة.

لما علم يوسف الفهري بقدوم عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس واجتماع الناس حوله، جهّز نفسه للحـ.-رب معه

والتقى الفهري مع عبد الرحمن الداخل بجيشه، وتم اللقاء وانتهى بنصر لعبد الرحمن الداخل.

ولما تم النصر لعبد الرحمن الداخل، حاول جيشه أن يلحق بجيش يوسف الفهري للقـ.ـضـ.ـاء عليه، فأوقفهم عبد الرحمن وقال كلمة خلّدها التاريخ :

” لا تلحقوا بهم، وتستـ.ـأصـ.ـلوا شـأفتهم فإنهم أعـ.ـداؤكم اليوم أصدقاؤكم غداً على عـ.ـدوٍ هو أشد منهم”.

وبعد أن انتصر عبد الرحمن الداخل، بدأ عهد الإمارة، وذلك أن الأندلس كانت إمارة مستقلة عن دولة الخلافة التي أصبحت تابعة لبني العباس.

ورغم أن عبد الرحمن الداخل، الذي وصل الإمارة في عام 138 للهجرة وعمره 25 عاماً

من أحفاد خلفاء الأمويين لكنه لم يعلن نفسه خليفة للمسلمين في الغرب حتى لا يـ.ـشـ.ـق عصـ.ـا المسلمين.

بداية الثورات على عبد الرحمن الداخل.. وقصته مع أبو جعفر المنصور

اتخذ الداخل من مدينة قرطبة عاصمة لإماراته، وما لبث أن بدأت الثـ.ـورات عليه، ويحكى أن عدد الثـ.ـورات التي قامت عليها في الأندلس

وصلت لـ 25 ثـ.ـورة، خلال حكمه لمدة 33 عاماً، ومن أشهر تلك الثورات على صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية هي ثورة العلاء بن مغيث اليحصبي

وكانت بترتيب من أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي الذي كان يعمل على إسقـ.ـاط الداخل، حيث أرسل اليحصبي

ليحدث ثورة هناك ويقـ.ـتـ.ـل عبد الرحمن الداخل ويكون حاكماً بدلاً منه على الأندلس تحت راية الدولة العباسية.

لما وصل بن مغيث اليحصبي إلى الأندلس، بدأ بالدعوة لثورة على عبدالرحمن بن معاوية، والتف بعضه كثيرون

رغم أن الغالبية كانوا في صف “صقر قريش” لحبهم له، ودارت أيام من الدعوات إلى أن تطور الأمر.

فقد دارت معـ.ـركـ.ـة بين عبد الرحمن الداخل وبين الحضرمي والرجال الذين أتوا معه من دولة بني العباس ومن ساندوهم في الأندلس

وانتهـت بانتصار الداخل الذي قام بوضع رؤوس الحضرمي ومن كانوا معه بصناديق وأرسلها هدايا إلى أبو جعفر المنصور في بغداد.

وعلى الرغم من ذكاء أبو جعفر المنصور المشهور، لكنه لم يتمكن من عبد الرحمن بن معاوية، الذي فاقه بالذكاء

فلما وصلته الصناديق وشاهد الرؤوس وأولها رأس العلاء، قال أبو جعفر :” ما لنا ولذاك الرجل، الحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر”

وهو بمثابة اعتـ.ـراف صريح من أبو جعفر المنصور بخـ.ـوفه من عبد الرحمن الداخل.

وفي رواية أخرى لما شاهد المنصور الصناديق قال :” والله إن عبد الرحمن بن معاوية شيطـان وليس بإنسان، الحمد لله الذي فرق بيننا وبينه وجعل بيننا البحر”.

قصة تسمية الداخل بـ” صقر قريش”

ويحكى أن أبو جعفر المنصور كان جالساً في مجلسه وحوله حاشيته من وزراء وأمراء بني العباس ووجهاء العراق

فسألهم أتعرفون من هو صقر قريش؟ فأجابوه بالجواب الذي ظنوا أنه سيعجبه، وقالوا أنت يا أمير المؤمنين.

فأجابهم أبو جعفر المنصور، لا، فذكروا له كثير من الأسماء حتى وصلوا لمعاوية بن أبي سفيان وغيره من الخلفاء

فقال لا، وقال لهم “صقر قريش هو عبد الرحمن بن معاوية الذي أخـ.ـرجناه من هذه الأرض فوصل الأندلس وأقام حكماً إسلامياً جديداً فيها”

فكان أبو جعفر المنصور العـ.ـدو الأول لعبد الرحمن الداخل هو من لقبه بـ”صقر قريش” اعترافاً منه بذكاء عبد الرحمن وشجاعته وفطنته.

لماذا سمي عبد الرحمن بن معاوية بـ “الداخل”؟

وقد سمي عبد الرحمن الداخل بهذا الإسم، لأنه أول من دخل الأندلس من بني أمية حاكماً لها، فقبله كان يتم حكمها من قبل عمال وولاة ولاهم عليها الخلفاء الأمويين.

استمر عبد الرحمن الداخل حاكماً للأندلس لمدة 33 سنة تمكن خلالها من إقامة دولة إسلامية قوية في الغرب

وتعتبر هي أول دولة للمسلمين تقوم هناك، وما زالت بعض قصورها ومساجدها موجودة حتى أيامنا هذه

مع تحويل بعضها لكنائس وبعضها الآخر لمتاحف وغيرها، لكنها ما زالت تشهد على الحضارة العظيمة التي بناها المسلمين في تلك الأرض.

وقد استمر الإسلام في الأندلس لمدة أكثر من 400 قرن، حيث ورث الحكم بعده العديد من أمراء دولة بني أمية

إلى أن سيطـ.ـر محمد بن أبي عامر على الحكم من أحد الخلفاء الأمويين ليدخل بعدها عصر “ملوك الطوائف” في الأندلس، حيث بات كل قوم يحكمون منطقة.

يذكر أن عم عبد الرحمن الداخل الخليفة هشام بن عبد الملك، وهو الذي رباه بعد أن تـ.ـوفي والد عبد الرحمن وعمره 4 سنوات

كان يرى في عبدالرحمن ذكاءاً كبيراً، وكان يعامله بشكل مميز عن أقرانه من الأمراء الصغار، وكان يظن أن

“نبوءة مسلمة بـ.ـزو ال دولة بني أمية في المشرق وقيامها بالمغرب على يد رجل من بني أمية” ستتحق على يد عبد الرحمن. ا

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، سبق وأن ذكرنا أن “السموأل” اليهودي العربي كان “أوفى العرب” لوفائه بالعهد للشاعر امرؤ القيس الكندي

كذلك يعتبر بدر خادم ومولى عبد الرحمن الداخل من الرجال الذين يذكرهم التاريخ بالوفاء، فبدر هو من تبع عبد الرحمن الداخل إلى المغرب وحمل له أمواله التي كان الداخل قد أخفاها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى