ثقافة ومجتمع

كشف وصيته لأردوغان في لقائهما الأخير.. عن المناضل علي عزت بيجوفيتش الذي أسقـ.ـط الحكم الشيوعي وأقام دولة البوسنة

كشف وصيته لأردوغان في لقائهما الأخير.. عن المناضل علي عزت بيجوفيتش الذي أسقـ.ـط الحكم الشيوعي وأقام دولة البوسنة

ديلي سيريا _ وكالات

ولد علي عزت بيجوفيتش، في 8 أغسطس/ سبتمبر من عام 1925، في بلدة “شاماتس” البوسنية لوالديه المسلمين

واللذين كان لديهما غيره 3 بنات وولد، فضلاً عن أخين له غير شقيقين، أثناء حياتهم في البلدة، عانـ.ـت الأسرة من ظروف مادية

وأعلنت على إثرها إفلاسها، قبل أن تنتقل للعاصمة الحالية للبوسنة “سراييفو”، وتبدأ حياة جديدة هناك.

نشأ علي عزت بيجوفيتش على التعاليم الدينية والشريعة الإسلامية، وقد تعلّم تلاوة القرآن وهو في سن السادسة

وعرف عنه حبه الكبير للقراءة والعلم، وقد اهتزّ فيه اليقين الدين في خضم الصـ.ـراعات الفكرية والسياسية آنذاك

فاتخذ من الفكر والمعرفة ملاذاً له من التشكيك بالدين والعقيدة، ولم يكن بيجوفيتش يعتنق أو يؤيد أي فكرة إلا بعد أن يقتنع بها عبر الحجة والدليل

ليتمكن من بناء صرح فلسفي ونظرة دينية ورؤية سياسية لقيادي مميز عن كثير من الرؤساء والفلاسفة.

وقد أكمل بيجوفيتش دراسته في العاصمة البوسنية، وحصل فيها على شهادة بالقانون عام 1950

قبل أن تتم إجازته بالدكتوراه 1962، وإجازة عليا بالاقتصاد في عام 1964.

علي عزت بيجوفيتش.. الانضمام لـ”الشبان المسلمين” وبداية النضال

قبيل عدة أشهر من سقـ.ـوط يوغوسلافيا، تعرّف علي عزّت بيجوفيتش على جماعة “الشبان المسلمين”

وهي الجماعة التي كانت تحمل أفكاراً متوافقة إلى حد كبير مع أفكاره التي توصّل لها بعد سنوات من القراءة والتفكير.

ويذكر  بيجوفيتش في مذكراته عن فكر تلك الجماعة، أنها كانت تتمتع بطرح مختلف تماماً عما جرى تعليمنا إياه بالكتاتيب

وهي “من وجهة نظري قضية العلاقة بين الشكل والمضمون أو الجوهر، كنا نرى أن رجال الدين مهتمون فقط بالطقوس أو الشكل الخارجي

ومهملون لمضمون وجوهر الإسلام”، وقد كانت جماعة “الشبان المسلمين” ترى أن الأئمة والشيوخ يجب أن يناقشوا قضايا العصر

وأن يكفوا عن التعاطي السطحي والجامد مع النصوص الدينية، بل يجب أن يتماشوا مع متطلبات العصر والوقت.

ومن أهم الشعارات والأهداف التي كانت جماعة “الشبان المسلمين” تعمل عليها، هي الحفاظ على الإسلام في أراضي “البوسنة والهرسك”

والدفاع عنه من الهجـ.ـمات الشـ.ـرسة التي كان ينظمها أتباع الفكر الشيوعي على الله والأديان لاعتقادهم أن “الدين أفيـ.ـون الشعوب”، حسبما ذكر تقرير لموقع “آراجيك“.

علي عزت بيجوفيتش يتهـ.ـرب من التجنـيد الإجبـ.ـاري

بعدما أنهى علي عزت بيجوفيتش تعليمه الثانوي، كانت الحـ.ــرب العالمية الثانية في ذروتها، ونظراً لعدم إيمانه بأفكار أي من الطرفين

فر من التجـ.ـنيد الإجبـ.ـاري، ولجأ لبلدتهم القديمة “شاماتس” ولم يعد لسراييفو إلا بعدما تم الإعلان عن انتهاء الـحـ.ـرب.

حينها كان نضال “الشباب المسلمين” للتصدي للشيوعية قد عاد من جديد، وكان بيجوفيتش منهم

فتمت حلاحقته واعتقاله من قبل شرطة أمن الدولة اليوغسلافي، وحـ.ـكم عليه بالســ.ـجن لمدة 3 سنوات.

وبعد الإفراج عنه، استأنف عمله النضالي مع رفاقه القدامى من جديد، وتزوّج من حبيبته “خالدة”، قبل أن يسافر إلى “الجبل الأسود”

ليعمل مدة 10 سنوات هناك، ويكوّن أسرة مع خالدة أصبحت تضم 3 أطفال، بعد 10 سنوات من غيابه، عاد بيجوفيتش وأسرته للعاصمة البوسنية

حيث حصل هناك على عمل مستشار قانوني، وكوّن علاقة ثم صداقة مع رئيس جمعية العلماء آنذاك “حسين جوزو”

وهو الشخص الذي مكّنه من نشر بعض مقالاته الجامعة لخلاصة أفكاره وتحليلاته تحت عنوان حمل اسم “عـ.ـوائق النهضة الإسلامية”

وقد كان ينشر تحت اسم مستعار يحمل الأحرف الأولى من أسماء أولاده.

بيجوفيتش و “البيان الإسلامي” 

كان لدى بيجوفيتش رغبة وإصراراً كبيراً من أجل خدمة الأقلية المسلمة في البوسنة، عبر تقديم طروحات تحقق لهم النهضة

وتقدم لهم حلول تتوافق مع مبادئ العقيدة الإسلامية من جهة، ومع ما تقتضيه متطلبات العصر الذي يعيشون فيه من جهة أخرى

فضلاً عن حرصه على عقد الجلسات الحوارية بين المثقفين والمفكرين المسلمين في البوسنة التي كانت الشـ.ـيوعية تعـ.ـصف بها.

وفي عام 1970، نشر بيجوفيتش كتاباً له أسماه “البيان الإسلامي”، في وقت كان منتشر فيه “البيان الشيـ.ـوعي”، والذي كان شبه مقدس حينها.

رسمي بيجوفيتش في كتابه القواعد الأساسية لبناء المجتمع الإسلامي المعاصر، وبيّن فيه كيفية بناء أنظمة سياسية واقتصادية

تحترم التعاليم الإسلامية، وتحقق النهوض الحقيقي للدولة والمجتمع وتحقيق متطلبات الحياة واللحاق بركب التطور في الغرب.

فكرة الكتاب 

كما ركز الكتاب الذي شكل أحد أهم عوامل الصحوة وحمل أفكاراً ثورية ضد الأفكار الشيـ.ـوعية على أهمية التربية

والتعليم والعلم والصناعة والبحث العلمي لبلوغ الأهداف، وقد تحدث بيجوفيتش عن كتابه في مذكراته بقوله

إن الفكرة الأساسية للكتاب تدور حول المبدأ القائل بأن الإسلام وحده يستطيع إحياء القدرة الخلاقة للشعوب المسلمة بحيث يمكنهم من لعب دور فعّال وإيجابي في صنع تاريخهم”.

ويضيف “ لقد طالب البيان بالعودة للأصول والمنابع، وندّد بأنظمة الحكم القـ.ـمعية، ودعا للمزيد من الإنفاق على التعليم.

وقد تلقّى الغرب كتاب “البيان” بشيء من التحفّظ، وأعتقد أنّهم لم يحتملوا وجود الإسلام في صميم الحل وصلب الموضوع.

وفي ثمنانيات القرن الماضي، كانت حكومة يوغوسلافيا قد عادت لإجراءاتها القمـ.ـعية ضد المناهـ.ـضين للشيوعية

فاغتنمت فرصة نشر بيجوفيتش لكتاب “البيان الإسلامي” للتنـ.ـكيل به وبرفقاقه.

وأقامت يوغوسلافيا ضدّهم محـ.ـاكمة ستـ.ـاليـ.ـنية تاريخية عام 1983 في سراييفو، فكانت الكثير من التّـ.ـهم والادّعاءات ملفّـ.ـقة.

كما كانت العـ.ـقوبات أضخم من الانتهـ.ـاكات، ووصلت مهـ.ـزلة القضية حدّ محاسبة المتّهـ.ـمين على أسماء أبنائهم المرتبطة بالثقافة الإسلامية

وبذلك فقد أُدِين 13 من أحسن المثقّفين الإسلاميين في البوسنة بتهم التـ.ـمرد والقيام بأعمال مضـ.ـادّة

وانفرد علي عزت بيجوفيتش بتهمة “الدّعوة إلى نظام ديمقراطي” بدليل نشره لكتاب “البيان الإسلامي”

حُكِم على الجميع آنذاك بالسـ.ـجن لفترات تتجاوز عشر سنوات، وبلغت فترة سـ.ـجن علي 14 سنة

خُفِّفت إلى 12 سنة بعد التّـ.ـظلّم، لكنّه لم يقضِ منها سوى ستّ سنوات فقد أُلغِيت العـ.ـقوبة بعد تعثّر الحكم الشيـ.ـوعي في البوسنة والهرسك سنة 1988.

وصول علي عزت بيجوفيتش إلى الرئاسة وحـ.ـرب البوسنة 

عندما خرج علي عزّت بيجوفيتش من السجـ.ـن، كان الاتحاد السوفييتي قد انهـ.ـار، وأُدخِل نظام التعددية الحزبية في يوغوسلافيا

فقام عام 1990 بتأسيس “حزب العمل الديمقراطي” الذي كان يمثّل البوشناق (أي مُسلمِي البوسنة والهرسك وباقي يوغوسلافيا)

فكان الحزب ذا صبغة إسلامية لكنّه لم يكن عـ.ـدوًّا للمعتقدات الأخرى.

وخاض بيجوفيتش الانتخابات في إطار هذا الحزب، وفاز بأكبر عدد من الأصوات، وسقـ.ـط بذلك الحكم الشـ.ـيوعي في جمهورية البوسنة والهرسك.

في فبراير/شباط من عام 1991 دعا بيجوفيتش إلى استفتاء وطني بشأن استقلال البوسنة عن يوغسلافيا

وقد أيد 99.4% من المصوتين الاستقلال وبلغت نسبة المشاركة 67٪ .

وأعلن علي عن استقلال البلاد في مارس/آذار 1992، واعترف العالم بالبوسنة في 22 مايو/أيار 1992 ونالت  العضوية في الأمم المتحدة.

وفي 3 مارس/آذار 1992 أُعلِن بيغوفيتش رئيسا لجمهورية البوسنة والهرسك  وظل في هذا المنصب رسميا على الأقل حتى 5 أكتوبر/تشرين الأول 1996.

لكن العالم الذي اعترف بالبوسنة لم يحم استقلالها خلافا لما توقعه بيجوفيتش، إذ اندلعت حـ.ـرب تطهير عرقي على الفور في جميع أنحاء البلاد.

وارتكبت الـقـ.ـوات الصـ.ـربية المدعومة من يوغسلافيا فظـ.ـائع بحق السكان الأصليين من غير الصرب وخصوصا من المسلمين

حيث قتـ.ـلـ.ـت منهم مئات الآلاف وأقامت مقـ.ـابر جماعية سرية واغتـ.ـصـ.ـبت آلاف البوسنيات المسلمات.

ظل بيجوفيتش يـ.ـقاتـ.ـل من بيته البسيط ومكتبه المتواضع ضمن مسيرة نضال الشعب البوسني ضد عمليات الاستئـ.ـصـ.ـال والتطهـ.ـير العرقي.

انتهاء الحرب

وفي  عام 1994 تدخل حلف شمال الأطلسي “الناتو” ونفذ غـ.ـارات جوية ضد قـ.ـوات صرب البوسنة

مما أجبرها لاحقا على الانسحاب من العاصمة سراييفو في سبتمبر/أيلول عام 1995.

وانتهت الحرب بعد التوقيع على اتفاقية دايتون للسلام في الولايات المتحدة الأمريكية  يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1995.

وبموجب تلك الاتفاقية وضعت ترتيبات انتقالية جديدة قضت بانتخاب مجلس رئاسي لمدة سنوات، يتناوب عليه زعماء من المسلمين والكروات والصرب.

ظل عزت بيغوفيتش في صدارة المشهد السياسي حيث كان أول من شغل رئاسة هذا المجلس في الفترة

من 15 أكتوبر/تشرين الأول 1996 وحتى 13 أكتوبر/تشرين الثاني 1998.

كما قاد المجلس مرة أخرى في الفترة من 14 فبراير/شباط 2000 إلى 14 أكتوبر/تشرين الأول من ذات العام.

رحيل عزت بيجوفيتش 

في  19 أكتوبر/تشرين الأول عام 2003 أعلن عن رحيل علي عزت بيجوفيتش في مستشـ.ـفى في العاصمة سراييفو

حيث أدخل إليه في العاشر من ذات الشهر بعدما أغمـ.ـي عليه فسقط أرضا مما أسفر عن إصـ.ـابـ.ـته بكـ.ـسور في أربعة من أضلاعه.

وشارك في تشييعه أكثر من مئتيْ ألف بوسني، ودفـ.ـن في مقبرة الشهداء حيث قبور الجنود البوسنـ.ـيين الذين قـ.ـتلـ.ـوا في الحـ.ـرب البوسنية بين عاميْ 1992 و1995.

أردوغان في البوسنة والهرسك 

وقبل أعوام قليلة أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة لمـ.ـقبـ.ـرة “كوفاتشي للشهداء” في عاصمة البوسنة والهرسك سراييفو

حيث زار قبـ.ـر الرئيس الأسبق علي عزت بيجوفيتش ووضع إكليلاً من الزهور عليه.

ورافق أردوغان خلال زيارته التي تخللها التقاط صور تذكارية مع المواطنين البوسنيين عضو المجلس الرئاسي للبوسنة والهرسك شفيق جعفروفيتش

ورئيس البرلمان البوسني بكر عزت بيغوفيتش، ومن الجانب التركي وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو

ووزير الخزانة والمالية براءت ألبيرق، ووزير الدفاع خلوصي آكار، وغيرهم من المسؤولين والوزراء، حسبما ذكرت وكالة الأناضول التركية للأنباء.

أردوغان يكشف تفاصيل لقائه الأخير مع بيجوفيتش 

في شباط/ فبراير من عام 2018، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حوار دار بينه وبين رئيس البوسنة والهرسك

الراحل علي عزت بيجوفيتش في آخر لقاء كان بينهما، آنذاك كان الرئيس البوسني على سرير المـ.رض

وقد بعث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة للمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة

حيث أقيمت ندوة ضمن برنامج إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لاستقلال البوسنة.

وكشف الرئيس التركي في رسالته التي بثت عبر مقطع فيديو مضمون وصية بيجوفيتش له وطريقة تسلمه إياها

موضحاً  أنه أثناء عودته من فيينا إلى بلاده علم بالحالة الصحية الحـ.ـرجة لبيجوفيتش، قبيل يوم واحد من رحيله، فطلب من طياره التوجه إلى سراييفو للقائه.

أردوغان و بيجوفيتش

وقد كان ذلك بالفعل، وبعد أن وصل الرئيس التركي، التقى بيجوفيتش داخل غرفته في المستـ.ـشفى التي كان يرقد بها

موضحاً أنه أوصاه بعدم التخلي عن البوسنة والهرسك، وقال أردوغان:”حين التقيت به أمسك بيدي وقال لي:

”هنا أرض الفاتحين، دافعوا عن البوسنة وحافظوا عليها. هذه الأراضي أمانة في أعناقكم”.

وأعرب الرئيس التركي آنذاك عن عزمه الاستمرار بالدفاع عن البوسنة والهرسك، ومواصلة بلاده العمل لإعلاء شأنها

مضيفاً “نأمل أن يسامحنا جميع الضـ.ـحايا والمظـ.ـلومين في البوسنة على عدم تمكننا من تقديم دعم أكبر لهم خلال الأيام العصـ.ـيبة التي مروا بها

وعدم تمكننا من وقف الـ.ـمـ.ـذابـ.ـح”، حسبما نقل موقع “عربي 21” عن وكالة الأناضول.

علاقة متجذرة بين تركيا والبوسنة

تمتد العلاقات بين البوسنة والهرسك وتركيا إلى مئات السنين، حيث كان وصول الإسلام إلى البوسنة والهرسك

بسبب دولة الخلافة العثمانية التي قادت الفتوحات خلال القرنين الخامس والسادس عشر الميلاديين.

وقد ضمت الدولة العثمانية آنذاك عشرات الدول، من الشام للقوقاز والبلقان، فضلاً عن دورها الكبير في نشر الإسلام بالشرق الأوروبي

لتدخل العديد من العائلات بالإسلام، كان أبرزها عائلة “بيجوفيتش” التي أنجبت الراحل علي عزت بيجوفيتش.

تعتبر عائلة “بيجوفيتش” من العائلات المسلمة العريقة، التي تعود أصولها للعاصمة الصربية الحالية “بلغراد”

حيث ولد جدّه هناك، وقد كان جندياً في الجيش العثماني.

بعد سقـ.ـوط الدولة العثمانية، وانسـ.ـحاب الجيش العثماني من صربيا، تم ترحيل عائلة “بيجوفيتش” من موطنها الأصلي في بلغراد

لتتجه نحو قرية صغيرة في البوسنة تدعى “شاماتس”، واستقرت فيها، إلى أن أصبح والد علي عوت بيجوفيتش عمدةً لتلك البلدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى