ثقافة ومجتمع

لقبه النبي محمد ﷺ بأمين الأمة وكان أحد قادة فتح بلاد الشام.. سيرة أبو عبيدة بن الجراح وقصصه مع عمر الفاروق وخالد بن الوليد

لقبه النبي محمد ﷺ بأمين الأمة وكان أحد قادة فتح بلاد الشام.. سيرة أبو عبيدة بن الجراح وقصصه مع عمر الفاروق وخالد بن الوليد

ديلي سيريا _ فريق التحرير

أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي، صحابي وقائد مسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة

ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، لقَّبَهُ النّبيُّ محمدٌ بأمين الأمة حيث قال: «إن لكل أمّة أمينًا، وإن أميننا أيتها الأمة: أبو عبيدة بن الجراح».

وقال له أبو بكر الصديق يوم سقيفة بني ساعدة: «قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح»

أسلم أبو عبيدة في مرحلة مبكرة من الدعوة الإسلامية، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة المنورة، وشهد مع النبي محمد المشاهد كلها.

فكان ضمن من ثبتوا في الميدان عندما بوغت المسلمين في غزوة أحد، أبلى بلاءً حسنًا في حـ.ـروب الردة

وكان أحد القادة الأربعة لفتح بلاد الشام، ظل أحد قادة الإسلام العظام إلى ان توفي في السنة الثامنة عشر للهجرة بسبب طـ.ـاعون عمواس.

نسب أبو عبيدة بن الجراح

أبو عبيدة بن الجراح، هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أُهَيْب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك

بن النضر بن كنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان.

يقفون في نسبته عند فهر فيقولون “الفهري”، وقيل: إن فهر هو قريش، وأول مَن تلقَّب بقريش، وقد اشتُهر بكنيته والنسبة إلى جده.

فيقال: أبو عُبيدة بن الجرَّاح، وهو يجتمع مع النبي محمد عند فهر بن مالك، فالنبي من أولاد غالب بن فهر، وأبو عبيدة من أولاد الحارث بن فهر.

والده: عبد الله بن الجرّاح الفِهريُّ القرشيُّ، زعم الواقدي أنه مات قبل الإسلام. وقيل: قـتـ.ـله أبو عبيدة بنفسه يوم بدر.

قال ابن الأثير: (لما كان أبو عبيدة ببدر يوم الوقعة، جعل أبوه يتصدى له، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر أبوه قصده، قتـ.ـله أبو عبيدة.

فأنزل اللهُ تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]).

كان الواقدي ينكر هذا، ويقول: توفي أبو أبي عبيدة قبل الإسلام، وقد رد بعض أهل العلم قول الواقدي»

والدته وصفاته

والدته: أميمة بنتُ غَنْم بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن عميرة، ونقل ابن حجر عن خليفة أن أم أبي عبيدة أدركت الإسلام وأسلمت. 

صفاته: كان رجلاً نحيفًا معروق الوجه، خفيف اللحية طوالاً، أجنأ (في كاهله انْحِناء على صدره)، أثرم (أي أنه قد كسرت بعض ثنيته).

وقال ابن الأثير: «كان أثرم، وسبب ذلك أنه نزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله صل الله عليه وسلم

من المغفر يوم أحد، فانتزعت ثنيتاه فحسنتا فاه، فما رئي أهتم قط أحسن منه». 

إسلام أبو عبيدة بن الجراح

وُلد أبو عبيدة رضي الله عنه سنة 40 قبل الهجرة/ 584م، وكان من السابقين الأولين إلى الإسلام

فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر رضي الله عنه.

وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي صل الله عليه وسلم.

فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم.

أسلم أبو عبيدة رضي الله عنه في بداية الدعوة، أي قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة، هاجر الهجرتين

وشهد بدرًا والمشاهد كلها، غير ما أرسله فيه رسول الله صل الله عليه وسلم من البعوث والسَّرايا.

لما هاجر أبو عبيدة بن الجراح إلى المدينة نزل على كلثوم بن الهدم

وقيل: آخى رسول الله صل الله عليه وسلم بينه وبين سالم مولى أبي حذيفة.

وقال الواقدي: آخى بينه وبين محمد بن مسلمة، وقال ابن الأثير: آخى رسول الله صل الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة الأنصاري.

وقال صدقة بن سابق، عن محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صل الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ.

دفاع أبو عبيدة بن الجراح عن الرسول صل الله عليه وسلم يوم أحد

كان أبو عبيدة بن الجراح من الذين ثبتوا في ميدان المعركة عندما بُوغت المسلمون بهجوم المشركين يوم أُحُد

ودافع عن الرسول صل الله عليه وسلم عندما حاول المشركون قتـ.ـله.

روى ابن المبارك في كتاب الجهاد رقم (91)، وعنه أبو داود الطيالسي في «مسنده» رقم (6)، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله.

قال:أخبرني عيسى بن طلحة، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد بكى

ثم قال: ذاك كله يوم طلحة، ثم أنشأ يحدث.. ، قال: كنت أول من فاء يوم أحد فرأيت رجلًا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه

وأراه قال: يحميه، قال: فقلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلًا من قومي أحب إلي وبيني وبين المشرق رجل لا أعرفه

وأنا أقرب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم منه، وهو يخطف المشي خطفًا لا أخطفه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح.

فانتهينا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته، وشج في وجهه وقد دخل في وجنتيه حلقتان من حلق المغفر.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكما صاحبكما»، يريد طلحة، وقد نزف، فلم يلتفت إلى قوله، وذهبت لأنزع ذاك من وجهه..

فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، فتركته فكره أن يتناولهما بيده

فيؤذي النبي صل الله عليه وسلم، فأزم عليهما بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين.

ووقعت ثنيته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني قال: ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة.

فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتمًا فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار

فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة ورمية وضربة وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه.

بعثة النبي محمد صل الله عليه وسلم لعبيدة بن الجراح إلى أهل اليمن

كان أبو عبيدة مِن أحبِّ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبه، وقد روى الإمام أحمد في «مسنده»

والترمذي في «جامعه» وغيرهما عن عبد الله بن شقيق.

قال: قلت لعائشة: أيُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبَّ إلى رسول الله؟ قالت: أبو بكر

قلت: ثم من؟ قالت: عمر. قلت: ثم من؟ قالت: ثم أبو عبيدة بن الجرَّاح. قلت: ثم من؟ قال: فسكتَتْ.

لذلك لمَّا قدم أهلُ اليمنِ على رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالوا له: ابعثْ معنا رجلًا يُعَلِّمْنا السُّنة والإسلام

قال فأخذَ بيدِ أبي عُبَيْدةَ فقال: «هذا أمينُ هذه الأمَّةِ»، قال حذيفة بن اليمان: جاء أهلُ نَجْرَانَ إلى رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم

فقالوا: يا رسولَ اللهِ ابعثْ إلينا رجلًا أمينًا فقال: «لأبعثنَّ إليكم رجلًا أمينًا، حَقَّ أمينٍ، حقَّ أمينٍ».

قال فاسْتشرفَ لها النَّاسُ قال: فبعث أبا عُبَيْدةَ بنَ الجرَّاحِ. رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن حذيفة قال:

جاء العَاقِبُ والسَّيِّدُ، صاحبا نَجْرَانَ، إلى رسول اللهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّم يريدانِ أن يلاعِناه، قال: فقال أحدُهما لصاحبِه:

لا تفعلْ، فوالله لئنْ كان نبيًّا فلاعنَّا لا نُفْلِحُ نحن، ولا عقبُنا من بعدنا، قالا: إنَّا نعطيك ما سألتنا، وابعثْ معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعثْ معنا إلَّا أمينًا.

فقال: «لأبعثنَّ معكم رجلًا أمينًا حَقَّ أمينٍ»، فاستشرف له أصحابُ رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: «قُمْ يا أبا عُبَيْدةَ بنَ الجرَّاحِ»

فلمَّا قام، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «هذا أمينُ هذه الأمَّةِ».

حب الرسول صل الله عليه وسلم لأبي عبيدة بن الجراح

كان النبي صل الله عليه وسلم يحب أبو عبيدة بن الجراح حبًا شديدًا، ويثني عليه دائمًا، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نِعْمَ الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح

نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح”.

وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أيُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قالت: أبو بكر. قلت: ثم مَن؟ قالت: عمر. قلت: ثم من؟ قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح. قلت: ثم من؟ قال: فسكتت. 

مكانة أبو عبيدة بن الجراح

أبو بكر الصديق يرى أبو عبيدة بن الجراح خليفة، وعمر بن الخطاب يعزل خالد بن الوليد ويوليه لفتح الشام

بقيت مكانة أبو عبيدة بن الجراح في نفوس الصحابةِ بعد وفـ.ـاة رسول الله صل الله عليه وسلم؛ فقد كان أبو بكر رضي الله عنه يراه أهلًا للخلافة؟

وعزم على بيعته وأشار به يوم السقيفة. قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة»: «سيَّره أبو بكرٍ رضي الله عنه إلى الشام أميرًا، فكان فتحُ أكثر الشام على يدِه».

وكذلك عمر بن الخطاب كان يراه أهلًا للإمارة فعزل خالد بن الوليد، وأمَّره على جند الشام، بل كان يراه أهلًا للخلافة

وقال عندما حضرته الوفـ.ـاة: «لو أدركتُ أبا عبيدة بن الجراح لاسْتخلفتُه وما شاورتُ، فإن سُئلتُ عنه

قلتُ: استخلفتُ أمينَ الله، وأمينَ رسولِه».

لما عزل عمر خالدًا رضي الله عنهما وولّى أبا عبيدة رضي الله عنه، قام خالد رضي الله عنه وقال للناس: “بُعث عليكم أمين هذه الأمة”.

وقال أبو عبيدة رضي الله عنه للناس عن خالد رضي الله عنه: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:

“خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة”.

وفـ.ـاة أبو عبيدة بن الجراح

اتَّفق المؤرِّخون على أنَّه تـ.ـوفي سنةَ ثمانِ عشرة في طاعون عَمَواس، و«عَمَواس» قريةٌ بالشام بين الرَّملة وبيتِ المقدس

وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنةً، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد أن يستبقيه، قال أبو موسى الأشعري:

«كنَّا مع أبي عُبيْدةَ بنِ الجرّاح وإنَّ الطـ.ـاعون وقع بالشام

وإنَّ عمرَ كتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فإنِّي أعزمُ عليك:

إن أتاك مُصبِحًا لا تُمسي حتى تركبَ، وإن أتاك مُمسيًا

فلا تُصبحْ حتى تركبَ؛ فقد عرضتْ لي حاجةٌ إليك، ولا غنى بي عنك. 

فلمّا قرأ أبو عُبيْدةَ الكتاب، قال: قد عَرَفنا حاجتَه؛ إنَّ أمير المؤمنين أرادَ أن يـ.ـستبقيَ من ليس بباقٍ! فكتب إليه:

إنِّي في جُندٍ من المسلمين، وأنا لا أرغبُ بنفسي عنهم، فحلِّلني من عزيمتِك يا أمير المؤمنين. 

فلمّا قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الكتاب بكى، فقيل له: أتـ.ـوفيَ أبو عُبيْدةَ؟ قال: لا، وكأنْ قدِ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى