المرأةثقافة ومجتمع

باعوها طفلة بــ 6 دراهم .. قصة العابدة “رابعة العدوية” مؤسسة مذهب الحب الإلهي

باعوها طفلة بــ 6 دراهم .. قصة العابدة “رابعة العدوية” مؤسسة مذهب الحب الإلهي

ديلي سيريا _ وكالات

تُكنى رابعة العدوية بــ “أم الخير”، وهي إحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي،

وتعتبر مؤسسة ‏أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب الحب الإلهي.‏

رابعة العدوية هي المرأة الأشهر في تاريخ التصوف الإسلامي كله منذ نشأته وإلى يومنا هذا، فقد كانت مشهورة بالعبادة والزهد.

ولم يكن التصوف معروفًا في ذلك العصر باسمه ولا ميزاته المعروفة الآن، وإنما كان هناك عباد تميزوا بزهدهم وورعهم، وكان ‏أئمة السلف يثنون على رابعة ومنهم: سفيان الثوري.‏

جعلت رابعة العدوية من الحب الإلهي فلسفة خاصة بها وعشق أفنت حياتها لأجله، قولًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا

حتى صار خفاؤها ‏مثل علانيتها، فكان لها الزوار والمريدين، وعُرفت بإمامة العاشقين.‏

نشأة رابعة العدوية

رابعة العدوية هي رابعة بنت إسماعيل العدوي، ولدت في مدينة البصرة، ويرجح مولدها حوالي عام (100هـ / 717م)

من أب ‏عابد فقير، وهي ابنته الرابعة وهذا يفسر سبب تسميتها رابعة فهي البنت “الرابعة”. ‏

وقد توفي والدها وهي طفلة دون العاشرة ولم تلبث الأم أن لحقت به، لتجد رابعة وأخواتها أنفسهن بلا عائل يُعينهن علي الفقر ‏والجوع والهزال.

فذاقت رابعة مرارة اليتم الكامل دون أن يترك والداها من أسباب العيش لهن سوى قارب ينقل الناس بدراهم ‏معدودة

في أحد أنهار البصرة كما ذكر المؤرخ الصوفي فريد الدين عطار في (تذكرة الأولياء)

كانت رابعة تخرج لتعمل مكان أبيها ثم تعود بعد عناء تهون عن نفسها بالغناء، فكانت حياتها مثال للشقاء، فقد حرمت من الحنان ‏والعطف الأبوي.

يُقال أن بعد وفاة والديها غادرت رابعة مع أخواتها البيت، بعد أن دب البصرة جفاف وقحط ووباء وصل إلى حد ‏المجاعة

ثم فرق الزمن بينها وبين أخواتها، وبذلك أصبحت رابعة وحيدة مشردة.‏

وأدت المجاعة إلى انتشار اللصوص وقُطَّـ.ـاع الطرق، فخـ.ـطفت رابعة من قبل أحد اللصوص وباعها بستة دراهم لأحد التجار القساة ‏من آل عتيق البصرية.

وأذاقها التاجر سوء العذاب، ولم تتفق آراء الباحثين على تحديد هوية رابعة فالبعض يرون أن آل عتيق هم ‏بني عدوة ولذا تسمى العدوية.‏

بداية مناجاة الله وتعلق رابعة العدوية بالله

عندما باع اللصوص رابعة العدوية إلى أحد التجار القساة مقابل 6 دراهم، فأثقل عليها في العمل.

وفي يوم من الأيام خرجت من ‏بيت سيدها لقضاء حاجة فإذا رجل يرمقها بشر، فخافت واختبأت وناجت ربّها كثيرا

ويتفق بعض من أرّخوا لها أن هذه اللحظة ‏كانت مفصلية في حياتها.‏

يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي: “هذه اللحظة في حياة رابعة يجب أن تُعدّ نقطة التطور الحاسمة في حياتها الروحية.

ويضيف؛ شأنها شأن ‏تلك الأحوال التي أتينا على ذكرها عند أضرابها من كبار الشخصيات الروحية في العالم.

لكنها لا تزال في الأسر المادي لدى ذلك ‏السيد القاسي الذي أرهقها فكان لهذا الإرهاق والإعنات فضل انفجار روحها الباطنة النبيلة”‏

موقف رابعة العدوية من عبادة الله

كان لرابعة العدوية عدد من الزوار والمريدين وكان زوارها من الصالحين من الكثرة والشهرة بمكان

وقد سألتْ مرّة بعضَهم عن ‏سبب عبادتهم الله، فقال أحدهم: إننا نعبده خوفا من النار. ‏

وقال آخر: بل نعبده خوفًا من النار وطمعًا في الجنة. فقالت رابعة: ما أسوأ أن يعبد العابد الله رجاء الجنة أو مخافة النار!.‏

وتساءلت: إذا لم تكن هناك جنة ولا نار، أفما كان الله يستحقّ العبادة؟ فسألوها: فلماذا تعبدين أنتِ الله؟ فقالت: إنما أعبده لذاته، أفلا ‏يكفيني إنعامه عليّ بأنه أمرني أن أعبده؟.‏

هل كانت رابعة العدوية فتاة لاهية كما صورها الفيلم المصري؟

اختلف الكثيرون في تصوير حياة وشخصية العابدة رابعة العدوية فقد صورتها السينما في فيلم سينمائي مصري.

والذي قامت ‏ببطولته الممثلة نبيلة عبيد والممثل فريد شوقي، في الجزء الأول من حياتها كفتاة لاهية

تمرّغت في حياة الغواية والخمر ‏والشهوات قبل أن تتجه إلى طاعة الله وعبادته.‏

في حين يقول البعض أن هذه صورة غير صحيحة ومشوهة لرابعة في بداية حياتها، فقد نشأت في بيئة إسلامية صالحة.

وحفظت ‏القرآن الكريم وتدبَّرت آياته وقرأت الحديث وتدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمر الزهور

وعاشت طوال حياتها عذراء ‏بتولاً برغم تقدم أفاضل الرجال لخطبتها لأنها انصرفت إلى الإيمان والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج والولد. ‏

ويفند الفيلسوف عبد الرحمن بدوي في كتابه شهيدة العشق الإلهي، أسباب اختلافه مع الصورة التي صورتها السينما لرابعة بدلالات ‏كثيرة.

منها: الوراثة والبيئة، بالإضافة إلى الاستعداد الشخصي. وكان جيران أبيها يطلقون عليه “العابد”، وما كان من الممكن وهذه ‏تنشئة رابعة أن يفلت زمامها، كما أنها رفضت الزواج بشدة.‏

شعر وأقوال رابعة العدوية

تمتعت رابعة بموهبة الشعر وتأججت تلك الموهبة بعاطفة قوية ملكت حياتها، فخرجت الكلمات منسابة من شفتيها تعبر عما ‏يختلج بها من وجد وعشق لله

وتقدم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها ليحبوا ذلك المحبوب العظيم، ومن أشعارها قصيدة تصف بها حب الخالق يقول مطلعها: ‏

عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك   واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك ‏

وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى    خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك

ومن أشهر أقوالها:‏

محب الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن مع محبوبه. ‏

اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم. ‏

إني لأرى الدنيا بترابيعها في قلوبكم، إنكم نظرتم إلى قرب الأشياء في قلوبكم فتكلمتم فيه. ‏

سئلت رابعة أتحبين الله تعالى؟، قالت: “نعم أحبه حقًا”، وهل تكرهين الشيطان؟، فقالت: “إن حبي لله قد منعني من الاشتغال ‏بكراهية الشيطان”.‏

وفاة رابعة العدوية

يذكر ابن الجوزي في «شذور العقود» أن وفاتها كانت في سنة 135 هـ، وثمة رواية ثانية تقول إن تاريخ وفاتها سنة 180 هـ

‏وصاحبها الذهبي، ومن الذين تابعوه على هذا التاريخ المناوي في «الكواكب الدرية»، وثم رواية ثالثة تقول إنها توفيت سنة 185 ‏هـ. ذكر ذلك ابن خلكان.‏

أما قبرها فقيل إنه بظاهر القدس على رأس جبل يسمى الطور أو طور زيتا، وهذا كان رأي ابن خلكان وبعض المؤرخين الثقاة، ‏غير أن ثمة رأيًا آخر، نرجح أنه الأصح.

وهو رأي ياقوت الحموي الذي يقرر في كتابه «معجم البلدان» أن قبر رابعة العدوية ‏إنما هو بالبصرة وأما القبر الذي في القدس فهو لرابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري «وقد اشتبه على الناس».

وما يؤكد ذلك أنه ‏لم يثبت أن رابعة قد رحلت إلى الشام لكي تموت هناك وتدفن في بيت المقدس.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى