ثقافة ومجتمع

أنقذه من الفقر عندما كان والياً .. فلما أصبح مكانه سجـ.ـنه بسبب كرمه.. قصّة “جابر عثرات الكرام” مع خزيمة والخليفة الأموي سليمان!

أنقذه من الفقر عندما كان والياً .. فلما أصبح مكانه سجـ.ـنه بسبب كرمه.. قصّة “جابر عثرات الكرام” مع خزيمة والخليفة الأموي سليمان!

ديلي سيريا _ فريق التحرير

كثيرة هي القصص التي تحمل في طياتها أحداثاً مليئةً بالنخوة والإيثار وعزة النفس التي تمتع بها الإنسان العربي في غابر الزمان.

إذ تعطينا تلك القصص دورساً في أخلاق ومروءة العرب في سالف الأيام، وتقدم لنا نموذجاً يحتذى به، وتستنهض هممنا لنحي مآثرها في أيامنا هذه.

وقصة “جابر عثرات الكرام” التي دارت أحداثها بين عكرمة الفياض وخزيمة بن بشر، تعتبر من أبرز قصص الجود والكرم والمروءة والشهامة.

وقد ذكرت في كتاب”المستجاد من فعلات الأجياد” الذي كتبه القاضي التنوخي البصري أبو علي المتوفى سنة ٣٨٤هــ.

بداية معالم القصة

بدأت القصة بمحنة عاشها خزيمة بن بشر، هو أحد الرجال الذين عاشوا في أيام سليمان ابن عبدالملك، إذ كان يحمل صفات الكرم والمرؤءة، حيث عرف عنه آنذاك أنه لم يرد سائلاً ولا محتاجاً على الإطلاق.

لكن ماله نفد فجأة، بعد صعـ.ـوبات مالية كبيرة عانى منها، فزادت ديونه، وساءت أحواله، ولما علم إخوانه ما أصـ.ـابه

لم يقدموا له شيئاً سوى المواساة في البداية ثم تركوه يكابد آلامه، ولم يسألوا عنه مجرد سؤال.

فحزن “خزيمة” حزناً شديداً وضاقت به الأرض بما رحبت، فأسر لزوجته أنه لم يعد يحتمل أن يعيش وسط نظرات الشفقة

التي تحوم حوله من كافة الجوانب، فاجتنب جميع الناس، واعتزلهم مغلقاً بابه دون أن يتحدث إلى أحد.

في تلك الأثناء كان عكرمة الربعي والياً على الجزيرة، وكان يطلق عليه اسم “عكرمة الفياض” لكثره كرمه وجوده وشهامته

وبالصدفة وهو في مجلسه ذكرت أمامه قصة خزيمة بن بشر، فسأل عكرمة عن حاله، فأخبروه ما جرى له وما آل إليه.

كرم عكرمة يفيض على خزيمة

بعد أن عرف عكرمة خزيمة بن بشر، أمر أن توضع 4 آلاف دينار في كيس واحد، وانتطر حتى حل المساء، فقام بإخراج دابته دون أن يعلم أحد.

واتجه قاصداً بيت خزيمة إلى أن وصل إليه، فقرع باب منزله، فخرج خزيمة فأعطاه الكيس وقال له: “أصلح به شأنك”.

فرد عليه خزيمة: من أنت جعلت فداك؟ فأجابه أنا عكرمة لو كنت أريدك أن تعرفني لما جئتك في وقت متأخر من الليل، فقال خزيمة: لن أقبل به حتى أعرف من أنت، قال عكرمة: أنا جابر عثرات الكرام، ثم غادر مسرعاً عائداً إلى بيته.

عكرمة وشكوك زوجته فيه

بعد أن عاد عكرمة في وقت متأخر من الليل إلى منزله، شكت به زوجته وظنت أنه كان يخونها فصـ.ـفعت خدها وقالت له: لماذا خنتني يا عكرمة فقال لها: هل تحفظين سري؟،

فأجابت: نعم، فقص لها ما فعله مع خزيمة، حتى هدأت وقدمت له وعداً أن لا تخبر أحداً مطلقاً.

حينها كان خزيمة يعد الدنانير برفقة زوجته والأرض تكاد لا تسعه من كثرة الفرحة، فهو لا يصدق أن هناك من رق لحاله، واستعد فوراً للذهاب إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك.

تبدل الحال بين خزيمة وعكرمة

ذهب خزيمة إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، ولما وصل إليه سأله: ما الذي جعلك تتأخر علينا، فحدثه خزيمة بما حل به، وكيف مر زائر الليل وأنقذه من محنته المالية.

فسأله الملك: هل تعرفه؟ فأجاب خزيمة: لا يا مولاي كان متستراً وما سمعت منه، إلا أنه جابر عثرات الكرام، فتشوق الخليفة سليمان بن عبد الملك لمعرفة هذا الكريم ذو الشهامة والمروءة والجود.

بعد ذلك اسند الملك مهمة والي الجزيرة لخزيمة، وعزل عكرمة الفياض عن عمله، ولما جاء إلى الجزيرة نزل في دار الإمارة، ولما وجد أن ثمة هناك ديون كثيرة على الولاية

أمر بمحاسبة عكرمة، وطلب خزيمة من عكرمة أن يسدد الديون، لكن عكرمة كان لا يملك شيئاً من المال، فأعطى خزيمة الأوامر بحـ.ـبسه.

الكشف عن هوية جابر عثرات الكرام

بعد ذلك دخل عكرمة الفياض السـ.ـجن، ولما بقيّ فيه لمدة تجاوزت الشهر، ازداد حزن زوجته عليه

فقالت لإحدى الجواري أريدك أن تذهبي إلى مكان إقامة الوالي خزيمة، وأن تطلبي الحديث إليه دون أن يسمع أحد بما ستقولينه له.

وعندما تتأكدين من عدم وجود أحد قولي له: “هل هذا جزاء جابر عثرات الكرام؟”.

فقامت الجارية بفعل ما قالته لها زوجة عكرمة، فلما سمع منها خزيمة ذلك، انطلق مسرعاً نحو سـ.ـجن عكرمة، فدخل إليه ووجد عليه علامات الوهن والضعف.

فتقدم نحوه وقبل جبينه وقال له: كريم فعالك وسوء مكافأتي، فرد عكرمة: غفر الله لنا ولك، ثم خرجا إلا أن وصل عكرمة إلى بيته، فقدم خزيمة الاعتذار لعكرمة وزوجته.

خزيمة يرد جزاء المعروف

انطلق خزيمة بعد تلك الحادثة برفقة عكرمة إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، وفور وصلهما إلى هناك، ومثلا بين يدي الخليفة.

فقال لهما: ما الذي جاء بكما إلى هنا على عجلٍ من أمركما دون أن استدعيكم، فرد خزيمة: كل الخير يا أمير المؤمنين، لقد عرفت من يكون جابر عثرات الكرام.

حينها قال الملك بلهفة: ومن هو يا خزيمة؟، فأجابه: أنه عكرمة الفياض يا سيدي، فقال له يا عكرمة: كان خيرك له، وبالاً عليك.

ثم أمر الملك أن تسدد جميع الديون المترتبة على عكرمة، وأسند إليه مهمة ولاية أرمينة وأذربيجان، وبقي خزيمة بن بشر والياً على الجزيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى