ثقافة ومجتمع

سر العـ.ـداء التاريخي بين تركيا واليونان

سر العـ.ـداء التاريخي بين تركيا واليونان

ديلي سيريا _ فريق التحرير

بسبب التطورات الأخيرة وارتفاع وتيرة الصـ.ـراع “التركي – اليوناني” عمل فريق ديلي سيريا على تسليط الضوء على تاريخ العداء بين تركيا واليونان.

وبدأت القصة من مدينة إسطنبول التركية التي تُعرف في كل العالم باسم “إسطبنول”؛ إلا في اليونان مازال الكثيرين يسمونها بــ “القسطنيطينة” حتى الآن.

أربعة حـ.ـروب كبرى بين تركيا واليونان وجزيرة يتنـ.ـازعان عليها وبحر وغاز، وقرون من الصـ.ـراع والكثير من الكره على كلى الجانبين.

وفي بداية العام الجاري؛ دخل عشرات الجنود الأتراك أرضاً يونانية رافعين علم تركيا ما استدعى غضـ.ـبا يونانيا استوجب رفع العلم اليوناني مقابل العلم التركي.

وهذه ليست المرة الأولى، فحـ.ـرب الأعلام هذه ما هي إلا واحدة من حـ.ـروب عديدة يخوضها الطرفان قد يصل عمرها قرون من الزمن

فاليونان هي وريثة الدولة البيزنطية عاصمة الأرثدوكسية في العالم، والتي قامت على أراضي الدولة الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية أو إسطنبول الحالية.

الصـ.ـراع بين البلدين نشب منذ آلاف السنين

والتي بدورها أي الدولة الرومانية ورثت دولة الأغريق، وهذا ما أسس للصـ.ـراع الذي نشب بين البلدين منذ آلاف السنين

حيث بدأت حـ.ـروب السلاجقة الأتراك ضد الإمبراطورية البيزنطية، والتي كانت اليونان جزءا منها في ذلك الوقت.

وخاض الطرفان معـ.ـارك عديدة انتهت 1453 بسقوط عاصمة بيزنطة القسطنطينية بيد الأتراك العثمانيين تحت قيادة السلطان محمد الفاتح.

وبحلول عام 1500 كانت معظم أراضي الأناضول بيد العثمانيين الذين شرعوا ببناء إمبراطورية عظيمة

على أنقاض إمبراطورية الرومان الشرقية أو البيزنطيين، وأصبح جزء كبير من أراضي اليونان تحت حكم آل عثمان.

أمر قاومه اليونانيون بكل ما أوتوا من قوة ومكر وانتظروا حتى العام 1768 ليعلنوا ولادة حلمهم بدولة يونانية مستقلة

فراحوا يؤيدون الأطراف المعادية للعثمانيين والذين حـ.ـاربوهم كالروس والإيطاليين بدايتا.

بلدين جارين العلاقة الوحيدة التي تجمع بينهما هي العداء المشترك

واندلـ.ـعت في تلك الفترة انتفـ.ـاضات يونانية عديدة أبرزها انتفاضة ديونسيوس، حتى جاء عام 1815 حين دخل الجيش العثماني شبه جزيرة ماني اليونانية.

ما استدعى من اليونانيين لملمة صفوفهم وأنشأوا جيش التحرير اليوناني عام 1821 لتبدأ معركة الاستقلال عن الحكم العثماني.

والتي امتدت 11 عاما تمكنوا بعدها من إعلان مملكة اليونان المستقلة عام 1832 ليدخل الصـ.ـراع بين الطرفين مرحلة جديدة

وليشهد العالم ولادة بلدين جارين العلاقة الوحيدة التي تجمع بينهما هي العداء المشترك.

إبان هيمنة الأتراك العثمانيين على مناطق البلقان شرقي أوروبا سعى اليونانيون لتحريض الأقليات ضد الحكم العثماني

فما بين العامين 1854و 1896 اندلـ.ـعت انتفاضات في كل من مقدونيا وفيسالي وإيبروس ضد الأتراك وبدعم من اليونان.

وتبعها انتفاضة كبرى في جزيرة كريت التي كانت تحت حكم العثمانيين 1897، و اندلع على أثرها أولى الحـ.ـروب الكبرى بين الدولة العثمانية واليونان والتي انتهت بخسارة كبرى لليونانيين.

حلم استرجاع القسطنطينية وغزو الأراضي العثمانية

بعد ذلك وصل للحكم في تركيا حزب الاتحاد والترقي المتعصب للقومية التركية، ما أثار مخاوف الأقليات المسيحية في الأراضي العثمانية.

ليكون نتيجة ذلك اندلاع ما عرف بحـ.ـرب البلقان الأولى بين عامي 1912 وبين 1913 والتي تحالفت فيها اليونان مع صربيا وبلغاريا

لتنتهي المعركة بهـ.ـزيمة العثمانيين وخسـ.ـارتهم لجزيرة كريت وجزر بحر إيحه وفيسالي وإيبروس والساحل المقدوني لصالح اليونانيين.

ليبدأ بعد ذلك بعام الحـ.ـرب العالمية الأولى والتي ستكون الدولة العثمانية أحد أطرافها وفي الطرف المقابل قوى عظمى صاعدة

كفرنسا وبريطانيا اللتان تمكنتا من إقناع اليونان عام 1917 من الدخول في الحـ.ـرب فأيقظ اليونانيون حلم استرجاع القسطنطينية وغزوا الأراضي العثمانية.

ودخلوا لأول مرة بعد قرون للأناضول وتمكنوا من أحتلال مدينة إزمير التركية، وأُجبر العثمانيون في عام 1920

للتوقيع على اتفاقية “سيفر” والتي بموجبها مُنحت اليونان السيطرة على تراقيا الشرقية و 17 ألف كيلو متر مربع من أراضي الأناضول.

أتاتورك يسترجع أراضي الأناضول التي سلبها اليونانيون

لكن الإتفاقية لم يُكتب لها المرور بعد رفض برلمان الدولة العثمانية المصادقة عليها لتبدأ حـ.ـرب الاستقلال التركية بقيادة “مصطفى كمال أتاتورك”.

وتمكن أتاتورك مع حلول عام 1922 من استرجاع أراضي الأناضول التي سلبها اليونانيون لتنتهي أخر الحـ.ـروب المباشرة بين الطرفين بتوقيع اتفاقية لوزان الشهيرة.

والتي حلت مكان اتفاقية “سيفر” التي رفض أتاتورك الاعتراف بها لتولد بعد ذلك الجمهورية التركية الجديدة بمقابل جمهورية اليونان.

مرحلة الصداقة .. اتفاقية وئام

وانتقل الصـ.ـراع بعدها لمرحلة مختلفة ستوصف بمرحلة التطبيع بين الطرفين والتي توجت عام 1930 بالتوقيع على اتفاقية “وئام”

تنازلت بموجبها اليونان عن المطالبة بما تسميه حقوقها في أراضي تركية وأبرزها استرجاع القسطنطينية.

وزار لأول مرة رئيس الحكومة اليونانية “فينيزولوس” مدينتي إسطنبول وأنقرة وأعتقد الجميع بأن صـ.ـراع الجارين العدوين قد ولى

حتى أنه بعد ذلك دخل البلدان في حلف عرف بحلف البلقان رفقة يوغسلافيا ورومانيا.

وأكثر من ذلك في عام 1941 حين غزا النازيون اليونان وحلت المجاعة بين اليونانيين أرسل الأتراك الطعام والدواء لهم واستقبلوا اللاجئين الفارين من الحكم النازي.

وفي عام 1950 كلى البلدين تحالفا معا في جيش واحد إبان الحـ.ـرب الكورية ووصلت العلاقات ذروتها حين انضمت كل من تركيا واليونان لحلف الناتو وأصبحتا جزء من قوات عسكرية موحدة.

وتوَجت العلاقة بين الطرفين باتفاقية زيورخ عام 1960 التي ضمنت استقرار جزيرة قبرص كبلد مستقل حتى جاء عام 1974

حاملا معه انقلابا عسكريا في جمهورية قبرص نفذه ضباط في الجيش بدعم من حكومة اليونان منهيا شهر العسل بين تركيا واليونان ومعيدا للواجهة أحقادا دامت لقرون.

بعد الصداقة .. عودة الخلاف من جديد 

بعد الإنقلاب في قبرص التي يعتبر ثلث سكانها من الأتراك أرسلت أنقرة جنودها للجزيرة و نفذت إنزالاً عسكريا واضعة يدها على الجزء الشمالي من الجزيرة ومعلنة دولة مستقلة في شمال قبرص.

لتبدأ حقبة جديدة من الخـ.ـلافات بين أنقرة وأثينا عنوانها هذا المرة جزيرة قبرص وبحر إيجه، فبعد التدخل التركي

راحت اليونان تعمد استفزاز تركيا عبر توسيع مجالها البحري والجوي في بحر إيجه الفاصل بين الدولتين.

وفي كل مرة توسع اليونان مجالها، ترد تركيا بنفس الشيء والطرفان بذلك خالفا بنود اتفاقية لوزان القديمة، ولاحقا لم يقف الصـ.ـراع عند هذه الأسباب التي ما زالت موجودة.

فمع بدء الربيع العربي واندلاع الثورة السورية عام 2011 وتحول تركيا لممر للاجئين السوريين القاصدين أوروبا بدأت اليونان باتهـ.ـام أنقرة بتسهيل عبور اللاجئين إليها.

صـ.ـراع جديد سببه اكتشاف الغاز

وبادلتها تركيا بتهـ.ـديدات بملئها مزيداً من اللاجئين ومعها أوروبا كلها، وبدا أن الصـ.ـراع القديم عاد وتم تأكيده مع اكتشاف الغاز قبالة السواحل القبرصية.

والتي حاولت قبرص اليونانية الاستحواذ عليه، ما رأت فيه أنقرة حرمانا للقبارصة الأتراك من حقوقهم الشرعية

فأعلنت أنها ستتدخل لمنع ذلك وتمكنت من وقف عمل شركة إيطالية كانت تعمل بأوامر قبرصية للتنقيب عن الغاز

لترد اليونان باتفاقية لتقاسم حقول غاز المتوسط مع دول حوض المتوسط وتحديدا مع مصر.

فسارعت تركيا لترد على اتفاقية اليونان باتفاقية أخرى بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية والمعترف بها دولياً

ولم تكتف تركيا بذلك فقامت بإرسال قواتها إلى ليبيا لضمان قطع الطريق على اتفاقية اليونان ومصر.

فردت أثينا بطرد سفير حكومة الوفاق الليبية ودخلت في حلف مع مصر ودول أخرى لدعم ميليشـ.ـيات حفتر الذي يقوده ما أوحى بنقل الصـ.ـراع بين تركيا وجارتها اليونان إلى حلبةأردوغان جديدة في ليبيا.

إلا أن الصراع لا يبدو أنه سيتوقف هنا فما زالت الحـ.ـرب الليبية مشتعلة وما زالت الحدود بين تركيا واليونان تشهد استفزازات من الطرفين

لعل أخرها كان دخول الجنود الأتراك إلى الأراضي المتـ.ـنازع عليها مع اليونان.

وإلى يومنا هذا، مازالت العلاقات التركية اليونانية، في انتظار إما سلام يطفئ نـ.ـار الطرفين أو حـ.ـرب تحسم الصـ.ـراع القديم المتجدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى